الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
تُعد مدينة أصبهان مدينة تاريخية كبرى من المدن المشهورة في تاريخ العالم، فتحها المسلمون عام 21هـ، على يد أبي موسى الأشعري.
مدينة أصبهان أو أصفهان مدينة تاريخية كبرى من المدن المشهورة في تاريخ العالم، وهي في وسط إيران: سمَّاها الفرس «اسپهان»، بمعنى تجمع العسكر، وسپاه: تعني العسكر، و «هان» تستخدم للجمع، وحُرِّفت في العربية إلى أصبهان، وأيضًا أصفهان.
مدينة أصبهان مدينة علمية كبرى ومن أشهر علمائها: أبو نعيم الأصبهاني صاحب مؤلفات (حلية الأولياء، ودلائل النبوة، وتاريخ أصبهان)، وأيضًا أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني، وكذلك الراغب الأصفهاني اللغوي المفسِّر، وقد فتح المسلمون مدينة أصبهان عام21هـ، على يد عبد الله بن عبد الله بن عتبان الأنصاري رضي الله عنه وأبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
فنادق أصفهان:
عرفت الحضارة الإسلامية نظام الفنادق منذ أيام الإسلام الأولى؛ قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: 29]، وذكر الطبري أن من معاني الآية: الخانات والبيوت المبنية بالطرق التي ليس بها سكان معروفون، وإنما بُنيت لمارَّة الطريق والسابلة، ليأووا إليها»[1].
وفي الحضارة الإسلامية اهتمام لافت بالمسافرين والغرباء، والشريعة جعلت ابن السبيل من المستحقين للزكاة، ولهذا وُجِدَت إلى جوار الفنادق التجارية فنادق أخرى مجانية كخدمة للمسافرين، وكان ينفق عليها من الأوقاف، سواء من الأوقاف العامة أو الخاصة.
تناوبت الدول الإسلامية المختلفة على حكم أصبهان. كانت في البداية تابعة لدولة الخلافة، ثم للدولة الأموية ف العباسية؛ ثم عندما ضعفت الدولة العباسية في القرن الثالث الهجري صارت إيران تتبع عددًا من الدول المشرقية المستقلة عن العباسية، والتي تحاربها أحيانها وتصادقها أحيانًا أخرى: كالدولة الطاهرية، والسامانية، والبويهية، والسلاجقة، والخوارزمية.
يعد العهد الذهبي لأصبهان هو عهد الدولة الصفوية، وهي من الدول الشيعية التي حكمت إيران ومساحات كبرى من الأرض حولها (من 1501-1736م/ 906-1149 هـ)، وكانت أصبهان عاصمة للدولة، ولهذا شهدت ازدهارًا حضاريّا ملموسًا.
وبعيدًا عن المشكلات السياسية والعقائدية التي كانت بين الصفويين الشيعة والعثمانيين السُّنّة فإننا نذكر الجانب الحضاري الإنساني في هذه المدينة، والذي شارك فيها الشعب بشكل عام، ومثَّل صورة واقعية لحياة المسلمين في هذه الفترة.
كانت أصبهان تضارع باريس في الاتساع، ولكن سكانها يبلغون عشر سكان العاصمة الفرنسية، لأن كل أسرة في أصفهان كان لها بيتها وحديقتها، وكانت الأشجار كثيرة إلى حد أنها بدت "غابة لا مدينة".
يلفت النظر في وصف هذه الفنادق نصٌّ أورده ول ديورانت يذكر فيه رحلة قام بها رحالة وتاجر مجوهرات فرنسي لمدينة أصبهان عام 1673 م (1084هـ)
يقول ول ديورانت: «وعندما زار جين تشاردين[2] أصفهان سنة 1673م دهش عند رؤية حاضرة على مثل هذا النسق في الإدارة والتجارة والصناعات والفنون تحوطها 1500 قرية، ويسكنها 300 ألف نسمة. وكان بالمدينة وضواحيها 162 مسجدًا و48 كليَّة و273 حمامًا عامًا و1800 خان (فندق صغير).
هذه الفنادق الكثيرة كانت تأوي التجار، وكذلك طلبة العلم، بالإضافة للسياحة الدينية، الذين يقطعون المسافات لزيارة المدن الشيعية المقدسة كمشهد وقم وكذا للعراق[3].
[1] الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن 19/151.
[2] صاحب كتاب رحلات تشاردين من 10 أجزاء، ومن أفضل ما كتب عن الشرق، وقد خلط مترجم كتاب قصة الحضارة بينه وبين رسام فرنسي اسمه أيضًا جين سيمون تشاردين وكان في القرن الثامن عشر.
[3] مشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك